الجمعة

أفلحت الوجوه...




ذكرى الهجرة النبوية المباركة والتي لازلنا على عتبات سنة جديدة منها؛ تضم في صفحاتها
سطور الإباء وحسن البلاء في سبيل إعلاء اللواء؛ أرواح انتصرت للحق بذكاء ودهاء
 لما فقهت قوله صلى الله عليه وسلم "الحرب خدعة"
 وقوله تعالى(انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
فلم يفوتوا فرصة انتقام من أعداء الله إلا وانتهزوها بحكمة وحسن تخطيط.
وقد دونوا  في سطور  العام الثالث من الهجرة المباركة؛ بطولة هم أهلها؛ حين انتدبهم الحبيب محمدصلى الله عليه وسلم
لقتل أشد اليهود عداءاً وإيذاءاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا الإنتداب درسا لأمته عن نمط آخر للجهاد وتفعيله على أرض الواقع مستمدا من وحي الآية الكريمة (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) 
ليوضح لنا بأن مقاتلة الأعداء لايلزم جيش عرمرم كما يظن الظانين في زماننا والذين ينتظرون الحكام أن يقدموا لهم السلاح على طبق من ذهب وانتظارهم بأن يفتحو لهم أبواب الجهاد! 
(سأسرد قصة مقتل الطاغية كعب بن الأشرف بتصرف  من كتاب الرحيق المختوم)معلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم ينتقم لنفسه قط كما وصفته الصديقة بنت الصديق رضوان الله عليهما؛ لكن لما
وصل الإيذاء للتشبب بنساء الصحابة في أشعاره،وإيذاءهم بسلاطة لسانه أشد الإيذاء؛فعند الأعراض لاتغاضي ولا إعراض.
وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من لكعب بن الأشرف؟فإنه آذى الله ورسوله!
فقام الصحابي الجليل محمد بن مسلمة _رضي الله عنه_ فقال: أنا يارسول الله؛ أتحب أن اقتله؟(ضعوا خطوطاً وليس خطين تحت كلمة أتحب،فلم يقل: أنا أقتله  )
قال:نعم،قال فأذن لي أن أقول شيئا.قال:قل.
وانتدب له من الصحابة أيضاً عبادة بن بشروسلكان بن سلامة والحارث بن أوس وأبو عبس بن حبر وكلهم تحت قيادة محمد بن مسلمة رضوان الله عليهم جميعا.
فأتى محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف وأوهمه بالعنت من الصدقة التي يطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فطلب يستعينه
على دفع الصدقة حتى حوّل الإستعانة لصفقة رهن أسلحة!فبعد رفضه لطلب الخبيث كعب برهن النساء والأبناء مقابل وسق أو وسقين اقترح عليه أن يرهنه السلاح، وبذلك نجح في التمهيد لاغتياله بزرع الطمأنينة في كعب بن الأشرف.
وصنع الصحابي سلكان مثلما صنع بن مسلمة  ونجح في كسب ثقة كعب له _وكان أخوه من الرضاعة _ وبهذا نجحا في خطتهما باغتيال هذا الفاجر حيث القصد ألا ينكر السلاح معهما ومن سيشاركهما الاغتيال  أن أتوه مرة أخرى.
وفي ليلة مقمرة _ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة3هـ_ اجتمعت هذه المفرزه إلى رسول الله،فشيعهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم قائلا:
انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم، ثم رجع إلى بيته، وطفق يصلي ويناجي ربه.
ووصل الصحابة الكرام إلى حصن كعب بن الأشرف، فهتف به الصحابي  سلكان، فقام لينزل إليهم.فقالت له امرأته وكان حديث العهد بها:أين تخرج هذه الساعة؟أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم !(الحاسة السادسة عند آل حواء:) )
فقال لها:إنما هو أخي محمدبن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دُعي إلى طعنة أجاب،ثم خرج إليهم متطيبا ينفح رأسه.
وقد كان الصحابي سلكان المكنى بأبي  نائلة قال لأصحابه:
إذا ماجاء فإني آخذ بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، فلمانزل الخبيث دعاه أبو نائلة للمشي مع من معه، فوافق وخرجوا يتماشون، فقال الصحابي أبو نائلة رضي الله عنه وهو في الطريق: مارأيت كالليلة أعطر قط، وزهى كعب بما سمع، فقال:عندي أعطر النساء، فقال له أبو نائلة رضي الله عنه:اتأذن لي أن أشم رأسك؟قال :نعم
ثم كرر الطلب مرة ثانية فأذن  له.
وعندطلبه شم رأسه للمرة الثالثة قال: دونكم عدو الله،فاختلفت عليه أسيافهم،لكنها لم تغن شيئا،فـأخذ البطل بن مسلمة مِغوَلاً فوضعه في ثنته،ثم تحامل عليه حتى بلغ عانته، فوقع عدو الله قتيلا،وقد صاح صيحة شديدة أفزعت من حوله،فلم يبق حصن إلا أوقدت عليه النيران!
ورجعوا الصحابة وهم يحتملون الحارث بن أوس لنزيف جرحِ أصيب به بذباب سيوف بعض أصحابه، حتى إذا بلغوا بقيع الغرقد كبروا،وسمع النبي تكبيرهم فعرف أنهم قد قتلوه،فكبر،فلما انتهوا إليه قال:
أفلحت الوجوه، قالوا:ووجهك يارسول الله.
ورموا برأس الطاغية بين يديه،فحمدالله على قتله،وتفل على جرح الحارث فبرأ ولم يؤذ بعده.
يالها من ليلة ارتدت وشاح بطولة حاكها الحب لرسول الله، حاكها الإيمان،حاكها الإستبسال بجلال
وياسعد وجوه يدعوا لها نبيها بالفلاح .
وتربت نفوس اهتزت شوقاً ليكرروا المشهد ويقروا عينا رسول الله حبا وتفانيا وغيرة .
فعندما رأت الخزرج أن جميع من شاركوا في قتل الطاغية كعب بن الأشرف كلهم من الأوس  رغبوا  أن يحرزوا فضيلة كفضيلتهم
فاستأذنوا رسول الله في قتل سلام بن أبي حقيق فأذن لهم  رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله.
فأين من يكرر المشهد في زماننا؟
وأين من تهفو نفوسهم  وتتوق أسماعهم  للظفر بدعاء رسول الله وأن يقال لهم :أفلحت الوجوه  ولو في رؤيا حق!
أين الأرواح التي  تتفانى على إقرار عينا رسول الله  بقتل عدو من أعداء الله وكلهم رجاء بالله  أن يريهم الرسول وهو يقول لهم :
أفلحت الوجوه.
والله كأني بـ قرة العين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينادي من قبره:
من لشمعون بيريز؟فقد آذى الله ورسوله
من لبنيامين نتناهو؟ من لايهود باراك ؟ من لبوش ؟ من لكل وزير حرب صهيوني وصليبي وشيوعي ؟
فقد آذوا الله ورسوله.
فيا للعار! أينادي رسول الله  ويُرد عليه نداءه؟!
أيستنهض الهمم لتبذل الأرواح والأموال في الذود عن أعراض المؤمنات فيكون الجواب:
سمعنا وعصينا!سمعنا وتراخينا وحُببت الدنيا إلينا!
أيطلب ذوق ثمرة حبه في  قلوبنا والتلذذ مرة أخرى بقولٍ كقول محمد بن مسلمة:
أنا يارسول الله،أتحب أن أقتله؟
 تتكرر من شباب أمتنا.
فلا خير  والله من لايجب رسول الله !
وبئست الدنيا التي ارتضيتموها وتثاقلتم بها الجهاد
وبئست النفوس التي قدمت رضى نفسها عن رضى الله ورضى رسول الله
وخابت وخسرت وجوه لا تفدي رسول الله  ولاتلبي نداءه..
خابت وخسرت الوجوه...خابت وخسرت الوجوه

abuiyad

ليست هناك تعليقات: